
الصحافة النووية في العالم النامي
موضوع يصعب تناوله. معلومات سرية. ألغام من الجدل. هذه هي المشاكل الشائعة التي يواجهها أي صحفي يتناول المسائل النووية، حتى هؤلاء الذين يعملون في أفضل الظروف. ولكن الصحفيين في العالم النامي قد يواجهون أيضًا ندرة في وجود الخبراء المستقلين، واختلالاً في البيئة الإعلامية، وسيطرة سياسية محكمة على حرية الصحافة. وفيما يلي، يصف ألكسندر غولتس من روسيا، وبراميت بال شودري من الهند، وداليا العقاد من مصر وضع الصحافة النووية في بلادهم، من خلال تعاطيهم مع السؤال التالي: ما الذي يمكن القيام به للتأكد من أن الصحافة النووية تخدم الجماهير بصورة أفضل؟
التحديات تفوق الموارد
رصدت الحكومة المصرية هذا العام ما يقرب من 1% من إجمالي الناتج المحلي للإنفاق على البحث العلمي -- وتزيد هذه النسبة بشكل كبير عن نسبة 0.23% المسجلة في عام 2011. ولكن العلماء على الرغم من ذلك يتقاضون رواتب ضعيفة، كما أن البنية التحتية في الجامعات والمراكز البحثية سيئة، مما يؤدي إلى هجرة العلماء إلى أماكن أخرى بحثاً عن مستويات معيشة أفضل وفرص أفضل للحصول على التكنولوجيا المتقدمة وظروف سياسية أكثر استقرارًا.
يشعر الصحفيون العلميون أنه يمكنهم القيام بدور مهم في إخراج العلوم في مصر من الورطة التي وقعت فيها. ولكن الصحفيون العلميون أنفسهم يواجهون تحديات خطيرة. وتعد السياسة واحدة من بين أكبر التحديات، وخاصة عندما يتعلق الأمر بتغطية القضايا النووية. وقد واجهتُ قبل الثورة مشكلة السرية الزائدة عندما كتبت حول موضوع ذي صلة بالبرنامج النووي للبلاد. حيث كان نظام مبارك يعتبر أي شيء يتعلق بالشئون النووية سريًا للغاية. وكانت هناك لجنة تراقب الصحافة لا تسمح سوى بنشر القليل حول هذه الموضوعات. ولم تكن تسمح بنشر أية اخبار في الشأن النووي إلا فيما يتصل بالتركيز على انجازات النظام. وحتى في الوقت الراهن، فشلت مسودة الدستور في توضيح الأمر فيما يتعلق بالتوتر الحادث بين الأمن الوطني من جانب وحرية الصحافة وحق الجمهور في المعلومات من جانب آخر. (من المقرر أن ينتهي الاستفتاء على مشروع الدستور في 22 ديسمبر.)
مساحة صغيرة، وتمويل ضئيل. يغطي عدد محدود من الصحفيين العلوم، ويرجع ذلك في الغالب لأن وسائل الإعلام لا تزال غير مقتنعة بأن تغطية العلوم من الأمور الهامة. ويجد الكتاب العلميون صعوبة في النشر في الصفحة الأولى، ولا تخصص بعض الصحف والمجلات أي مساحة للأخبار العلمية على الإطلاق. ولا تحصل التغطية العلمية على التمويل الكافي، إما لأن الصحفيين الذين يتناولون القضايا النووية والعلمية يتقاضون مرتبات ضعيفة، وينتج عن هذا ضعف التغطية حيث يقدم الكُتاب أخبارًا مترجمة من مصادر غربية أو يعتمدون بصورة أساسية على النشرات الصحفية. وبالرغم من ذلك، لا يتم نشر نشرات صحفية إلا بواسطة عدد قليل من المراكز البحثية.
يهتم المتحدثون باسم الحكومات أكثر في العادة بالاجتماعات الرسمية وجداول سفرهم أكثر من اهتمامهم بتوفير المعلومات العلمية التي تهم القراء. ولا يسمح للصحفيين بالدخول إلى هيئة الطاقة الذرية المصرية، ولا يمكنهم التحدث مع أي من علمائها دون الحصول على إذن. وفوق ذلك، يرفض العديد من العلماء إجراء مقابلات صحفية لأن بعض الصحفيين لا يقومون بالإعداد للمقابلات بشكل مناسب، أو يقومون بنشر معلومات لا تتسم بالدقة.
القطار البطيء. يوجد تحد رئيسي آخر واجهته وهو الافتقار إلى الدورات التدريبية للأشخاص للعاملين في مجال تخصصي. وقد بدأت العمل كصحفية علمية في عام 2004، ولم تكن تتوفر أي دورات تدريبة للصحفيين العلميين على المستوى المحلي حتى عام 2008. وتم تمويل هذه الدورة التدريبية بواسطة المجلس الثقافي البريطاني في مصر، بتعاون مالي مع الاتحاد الأوروبي - ولا تبدي الصحف المصرية بشكل عام اهتماماً بتوفير دورات تدريبية للعاملين لديها في مجالات متخصصة من هذا القبيل. ومن ثم ينبغي على الصحفيين أن يعتمدوا على أنفسهم ويحسنوا مهاراتهم من خلال القراءة المستقلة والسعي للحصول على الدورات التدريبية حيثما وجدت.
يمثل السفر للخارج لحضور المؤتمرات العلمية تحديًا كبيرًا آخر، فلا توفر معظم الصحف تمويلاً للصحفيين لحضور مثل هذه الفعاليات، وبالتالي ينبغي على المرء تأمين تمويل خارجي. وقد حضرت ست مؤتمرات علمية خارج مصر، إلا أن كل رحلة كان يتم تمويلها من قبل منظمة دولية تقديرًا منها لما أكتبه من مقالات.
هذا أمر مخزٍ، لأن المؤتمرات الدولية توفر أرضية خصبة للحوار والتواصل بين الأشخاص من العالمين المتقدم والنامي. وفي عام 2011، كان من المقرر أن تستضيف مصر المؤتمر العالمي للصحفيين العلميين، إلا أن المؤتمر نقل إلى الدوحة نتيجة القلاقل السياسية. وبالرغم من ذلك، كانت الفعاليات التي شاركت فيها جديرة بالاهتمام؛ حيث جاء نصف المشاركين من العالم النامي وكان المؤتمر بالفعل عبارة عن تجربة متعددة الثقافات. وبالرغم من الاختلافات بين الشعوب، ما زال الصحفيون العلميون في كل أنحاء العالم يواجهون تحديات مشتركة - مثل أفضل الطرق للتواصل مع العلماء، والوصول لنطاق أوسع من الجمهور، وإتاحة الأخبار، وإجراء حوارات عامة حول الشؤون العلمية.
خطوات للأمام. بشكل مثالي، ينبغي على وسائل الإعلام أن تقوم بدور حيوي في تشجيع تفاعل الجمهور مع العلوم والتكنولوجيا. ولكن في دولة نامية مثل مصر، لا يتم الوصول إلى هذه المستوى من المثالية في الغالب. ويمكن تحسين هذا الوضع بعدة طرق. على سيبل المثال، ينبغي تنظيم المزيد من ورش العمل والدورات التدريبية للصحفيين العلميين. وينبغي على الاتحادات الصحفية المساعدة في تمويل مثل هذه الدورات، وينبغي عليها أيضًا رعاية مسابقات الصحافة العلمية وجوائزها. ويمكن أن تسهم أقسام الإعلام في الجامعات من خلال إنشاء برامج متخصصة في الصحافة العلمية.
لكن، ينبغي على الصحفيين العلميين أنفسهم المكافحة من أجل مهنتهم. لقد تعلمت في مرحلة مبكرة من مسيرتي المهنية أنه لا يكفي أن تقدم عملاً جيدًا، بل إنه من الضروري أيضًا أن تبيعه للمحررين، وأن تقنعهم بنشره بجانب الأخبار السياسية. وفي الوقت ذاته، ينبغي على الحكومة أن تترك الأمر للصحفيين ليقرروا ما هي المعلومات النووية المهمة التي ينبغي نشرها، وأن تدرك أن الرقابة لا تسهم في الأمن القومي. وفي واقع الأمر، يمكن للرقابة أن تجعل الجمهور أكثر مقاومة للمشروعات النووية. على سبيل المثال، لاقى مشروع الطاقة النووية المصري المقترح في الضبعة معارضة من السكان المحليين الذين انتابهم الغضب من نزع ملكية أراضيهم ، أو ممن تملكهم الخوف من الآثار البيئية والصحية السلبية للمشروع. وربما كانت الحكومة تستطيع التقليل من تلك المشكلات إذا بدأت في التواصل بصورة أكثر انفتاحًا مع الجمهور.
لعام مقابل الخاص
واجه برنامج مصر للطاقة النووية عدداً من التحديات في الآونة الأخيرة. أولاً، ارتفعت أصوات جماعات حماية البيئة، التي تفضل استخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح بدلاً من الطاقة النووية. ثانياً، أثار الموقع المقترح لمنشأة الطاقة النووية في الضبعة المظاهرات من جانب سكان المنطقة. وفي كانون الثاني/يناير نشر أنه سيتم تأجيل مشروع الضبعة لحين انعقاد الهيئة التشريعية التي سيتم انتخابها لمناقشة المسألة.
تتعامل الصحف والمجلات المستقلة مع كل هذه المسائل بطريقة مهنية. ولأول مرة، ونتيجة لزيادة حرية التعبير التي أعقبت الثورة المصرية، أصبحت وسائل الإعلام قادرة على تكريس الاهتمام بالفئات التي تعارض البرنامج النووي -- فتحت الثورة الباب أمام شرائح جديدة من المجتمع للتعبير عن آرائها ووجهات نظرها. وقبل الثورة، كان النظام لا يسمح بنشر أي مقال ينتقد البرنامج النووي. وكان هذا صحيحاً، على وجه الخصوص، عندما أعلن جمال مبارك، نجل الرئيس السابق حسني مبارك، في مؤتمر الحزب في عام 2006 عن إعادة تشغيل البرنامج.
على الرغم من ذلك، فإن وسائل الإعلام المملوكة للحكومة لا تزال تنتهج إلى حد كبير نفس نهجها قبل الثورة. في آب/أغسطس الماضي، أعلن الرئيس محمد مرسي أن القاهرة تدرس تجديد البرنامج النووي غير المستقر، الذي وصفه بأنه جهد مدني بحت من شأنه توفير الطاقة النظيفة للمواطنين في مصر. وأبرزت الصحف المملوكة للحكومة بيان مرسي على صفحاتها الأولى. وفي نفس الوقت تقريباً، خصصت الصحف مساحة كبيرة لتقرير صادر عن وزارة الكهرباء والطاقة يشير إلى أن البرنامج النووي سوف يخلق فرص عمل ويوفر دفعة اقتصادية لمنطقة الضبعة. وكانت الصحف المستقلة، في الوقت نفسه، حرة في التركيز على الانتقادات التي توجهها الجماعات التي تعارض تجديد البرنامج.
المماثل والمختلف. وصف زميلي براميت بال شودري المشهد الإعلامي في بلده الهند. ويتسم سوق الإعلام هناك بحجمه الكبير وتنافسيته الشديدة، وناقش شودري الجوانب السلبية لهذا التنافس -- "تحرك السوق الاهتمامات قصيرة الأجل ولا يوجد سوى مجال ضيق للتحليل المتعمق للسياسات". ولكن في مصر، مع سوقها الإعلامي الأصغر، فإن المنافسة شيء إيجابي، وخصوصاً لأن الصحف المستقلة بدأت في الوقت الحالي في الازدهار. وقد جعلت المنافسة هنا بالفعل وسائل الإعلام أكثررغبة في تقديم تغطية وتحليل متعمق للأحداث. ولكن وسائل الإعلام المصرية تشترك في بعض المشاكل مع نظيراتها في الهند. حيث توجد ندرة في كلا البلدين في الصحفيين العلميين والصحفيين النوويين على وجه الخصوص.
يوجد شيء أكدته هذه المائدة المستديرة وهو أن السرية النووية تمثل تحدياً مشتركاً لعدد من البلدان. وقد ناقش شودري في مقالته الأولى الخوف داخل الهند من "استغلال الغرب لأي معلومات نووية تكشفها الهند ضدها". ويوجد نفس الموقف اليوم في مصر -- يبرر المسؤولون الحكوميون في بعض الأحيان رفضهم تقديم تفاصيل عن المسائل النووية بالقول إن "الغرب سيستخدمها ضدنا." وفي بعض الأحيان، ينتهج العلماء الذين يعملون في المؤسسات البحثية الحساسة نفس النهج.
أشار ألكسندر غولتس في مقالته الأولى أنه اتهم بتعزيز مصالح الولايات المتحدة لأنه ناقش السياسات النووية الروسية. ويحدث شيء من هذا القبيل في مصر: يتهم بعض العلماء التابعون للحكومة الجماعات التي تعارض البرنامج النووي بخدمة مصالح إسرائيل. ومن وجهة نظرهم، فإن المستفيد الوحيد من إيقاف البرنامج هو دولة إسرائيل.
أدت الثورة المصرية إلى قدر أكبر من حرية الصحافة، ولكن الافتقار إلى الشفافية لا يزال سمة البرنامج النووي للبلاد. ومع التقييد الشديد للمعلومات، ووسط استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي في البلاد، فإنه من الصعب للغاية التأكد من الموقف الحقيقي للحكومة فيما يتعلق باستئناف البرنامج النووي.
لنقد ليس كافياً
في أعقاب ثورة 2011 ، أصبح الشعب المصري مهتماً للغاية بالسياسة - ولا يوجد شيء يمكن أن ينافسها في الفوز بانتباههم. وتمتلئ الصحف والمجلات بالأخبار والتحليلات السياسية، مما لا يترك سوى مساحة صغيرة لتغطية القضايا العلمية والنووية. ويتفاقم هذا الوضع بين الصحف الجديدة المستقلة، لعدم وجود شركات مستقلة لطباعة الصحف: يجب أن تقوم الصحف المستقلة بطباعة إصدارتها عن طريق الصحف الحكومية مثل الأهرام والجمهورية وأخبار اليوم، التي تتحكم في طباعة الصحف المستقلة، وكيف يتم توزيعها، وعدد الصفحات التي تحتوي عليها، وحتى عدد الصفحات الملونة التي يضمها العدد. ويجب أن يختار رؤساء التحرير المستقلون، الذين يواجهون قيوداً من هذا النوع، الموضوعات التي سيتم تغطيتها، وعادة ما يحبذون الموضوعات السياسية عن العلمية. وفي الوقت الحالي، يعتبر الاهتمام بالقضايا النووية منخفضاً خاصة بسبب إعادة تأجيل برنامج الطاقة النووية الذي تكرر تشغيله وإيقافه عدة مرات.
يمثل عدم وجود مساحة في الصحف واحدة من المشاكل الرئيسية العديدة التي تواجه الصحفيين العلميين في مصر. كما أن هناك مشكلة أخرى وهي أن الحكومة غير شفافة بقدر كاف، وغالباً ما لا توجد لدى المسؤولين رغبة في توفير المعلومات. ولكن الصحف المستقلة نفسها ليست بمعزل عن اللوم: تقوم ممارساتها التحريرية العامة على انتقاد الحكومة دون اقتراح حلول للمشاكل التي تحددها. وخير مثال على ذلك نقص البنزين والسولار والغاز في البلد. حيث قصرت الصحف المستقلة بشكل أساسي تغطيتها لهذا الموضوع على التقارير الواردة من محطات الوقود المزدحمة، ولم تقم بإجراء مقابلات مع العلماء أو غيرهم من الخبراء لمعرفة كيفية علاج هذا الوضع.
يلعب الصحفيون دوراً هاماً للغاية في القرارات الوطنية مثل السعي إلى تنفيذ برنامج الطاقة النووية أم لا. ويمثل رفع مستوى الوعي العام بالقضايا المطروحة، من الطلب على الكهرباء في المستقبل إلى الأمان النووي، خدمة صحفية لا غنى عنها. ومرة أخرى هنا، من الممكن أن يسهم الصحفيون المصريون بدور هام. فقد ناقشت الصحف التقرير الصادر في يوليو 2012 من قبل وزارة الكهرباء والطاقة الذي يذكر أن البلاد يجب أن تسعي إلى استخدام الطاقة النووية للمساعدة في تلبية الطلب المستقبلي الذي يبلغ 300 ميجاوات إضافية من الكهرباء سنوياً، ولكنه لم يقترح كيف يمكن تلبية احتياجات مصر من الكهرباء إذا لم يتم تلبيتها عن طريق الطاقة النووية. وفيما يتعلق بمنشأة الطاقة النووية المقترحة في الضبعة، يستحق الشعب تقارير مخصصة حول ما إذا كانت الضبعة هي الموقع المناسب لمثل هذه المنشأة، وليس فقط تغطية الاحتجاجات ضد المحطة. (ينبغي أيضا توجيه الانتباه إلى النجيلة، وهي المدينة التي تم ذكرها كموقع محتمل للمفاعلات في المستقبل.)
في نفس الوقت، يستحق الناس الذين يعيشون بالقرب من الضبعة المزيد من الحكومة. لأن السكان هم من سيعانون إذا تعرضت منشأة نووية لحادث. ولذلك، يجب على الحكومة الشروع في عملية شفافة بشأن تحديد مواقع منشآت الطاقة النووية، مع إشراك العلماء وجماعات حماية البيئة والسكان المحليين والصحافيين. وبهذه الطريقة، تستطيع كلا من الحكومة ووسائل الإعلام تحمل مسئولياتهم تجاه الشعب.
No comments:
Post a Comment