Tuesday, August 4, 2015

الساعات الأخيرة في حياة شهيد العباسية




الساعات الأخيرة فى حياة شهيد العباسية بعيون أصدقائه
نشر في الشروق الجديد يوم 11 - 08 - 2011

مسيرة سلمية لمقر المجلس العسكرى جمعتهم، و«موقعة» العباسية فرقت مصائرهم، فمنهم من قتل ومنهم من ينتظر، وآخرون قرروا استكمال طريق نضال ما بعد 11 فبراير، هذا هو حال أصدقاء الشهيد «الصعيدى» محمد محسن 23 عاما، الذى توفى فى «القاهرة» متأثرا بنزيف فى المخ من «دبشة» ألقيت عليه من أعلى أحد منازل منطقة العباسية فى 23 يوليو الماضى. 
مشاعر متناقضة تنتاب الدكتورة «زينب أبوالمجد» ناشطة سياسية، ما بين الغضب الشديد والهدوء الأشد فى أثناء حديثها عن الشهيد، الطالب بكلية التعليم الصناعى بجامعة سوهاج، يرتفع صوتها بانفعال وهى تتذكر إصراره على المشاركة فى المسيرة، «طلب منا انتظاره تحت كوبرى رمسيس، رغم أنه كان متأثرا بوعكة صحية ألمت به» وقال لها: «يا أنا يا هم» ثم تهدأ وهى تستعيد حوارا دار بينهما قالت فيه: «حيضربونا وحنموت» فرد: «هو فى أحلى من دى موتة».
احتجاج من أسوان إلى القاهرة
محمد جاء من أسوان إلى القاهرة للمشاركة فى مظاهرة 8 يوليو بميدان التحرير، «ولكنه رفض مثل غيره من أهالى الصعيد الرجوع إلى قريته حتى طلعت روحه إلى بارئها» تحكى الدكتورة زينب، التى رافقت الشهيد فى رحلة البحث عن مستشفى وهو ملطخ بالدماء، وتضيف: «أول ما فعله عند وصوله لميدان التحرير أن سجد وقبل الأرض وقال يارب اكتبنى من الشهداء».
كان محمد دائم الانشغال بأحوال بلده «كان يراه يتردى على يد الرئيس المخلوع مبارك وأعوانه، ويندفع من سيئ إلى أسوأ نحو هاوية مجهولة، لذلك التحق بالجمعية الوطنية للتغيير فى أسوانوسوهاج منذ بداية تأسيسها، وشارك فى ثورة 25 يناير منذ يومها الأول»، حسبما يذكر صديق كفاحه «أحمد رجب» عضو ائتلاف شباب الثورة بأسوان، ويؤكد أن محمد كان همه الأكبر نشر الوعى السياسى بين أبناء وطنه، «ولم تكن له أى مصلحة شخصية أو أجندة عامة سوى حب مصر»، وكان يهتف فى أثناء المسيرة «القصاص القصاص من قتلة الشهداء».
«روح محمد محسن الطيبة لن تسامح العسكر» تقول الدكتورة زينب فى غضب، وتسرد: «لا يمكننى أن أنسى منظر الدماء على رأسه وصدره لمدة ست ساعات من النزيف المتواصل، منها ساعتان فى أثناء حصار الشرطة بأسلاكها الشائكة ورصاصها المتناثر فى الهواء، وأهالى المنطقة «المغرر بهم» بالطوب، والأمن المركزى بقنابله المسيلة للدموع»، وتصف تلك اللحظة بالقول: «كأننا كنا فى إسرائيل».
ويكمل عبدالرحيم القناوى صديق محمد الذى عاش معه لحظاته الأخيرة وتلقى «طوبة» فى كتفه هو الآخر، «عربة الأسعاف لم تقم سوى بلف رأسه بشاش أبيض فى محاولة لوقف النزيف، ولم ينبهونا لخطورة إصابته»، يذكر عبدالرحيم أن مستشفى الدمرداش كان أقرب المستشفيات، ومع ذلك رفضوا إدخاله تلك المستشفى «وجدنا بعض البلطجية داخلها يلقون علينا الطوب، فخفنا عليه».
وقائع التقصير الطبى
أيدته الدكتورة زينب وأضافت: «كنا قبلها بقليل فوجئنا أيضا بزميل لنا يسمى سيد مصطفى كان مصابا وتم احتجازه فى مستشفى جامعة عين شمس، وتسليمه إلى الشرطة العسكرية»، تضيف «وأخيرا وبعد عناء استطعنا الخروج من الميدان، لكن المستشفى القبطى رفض استقباله، وأجرى له مستشفى الهلال أشعة توضح خطورة إصابته بنزيف فى المخ ولكن واجهنا الطبيب بعدم وجود سرير خال، وتكرر هذا السيناريو بنفس التفاصيل فى مستشفى قصر العينى، وتدخلت الدكتورة نهلة الحتة الناشطة السياسية عن طريق المدون مالك مصطفى، واتصلت بمساعد وزير الصحة للشئون العلاجية فأوجد له بقدرة قادر سريرا خاليا فى معهد ناصر».
«محمد قضى 11 يوما فى العناية المركزة عقب العملية الجراحية، ولم نقم بإبلاغ أهله إلا بعد دخوله المسشفى بيومين» تقول الدكتورة زينب، وتشير إلى أن الموقف كان صعبا جدا على الأم التى ظلت تردد «مسمحاك»، والأب الذى لم يستطع تحمل رؤية ابنه فاقدا للوعى وبه مضاعفات كثيرة، انتهت بوفاته فى الثالث من أغسطس، وتضيف زينب فى شجاعة «وزير الصحة اتصل بى وأنا بجوار ثلاجة محمد، وأدليت بكل أمانة بما شهدته من عجز وتقصير فى المستشفيات».
بلاغ ضد من؟
أما بخصوص الإجراءات القانونية التى اتخذتها أسرة محمد، فلاحظت «الشروق» وجود اختلاف فى أقوالهم حول الجهة التى اتهموها بقتل ابنهم، قال خالد أحمد عم الشهيد الذى قدم البلاغ فى حديثه ل«الشروق»: «البلاغ اتهم المحرضين والبلطجية وأهالى العباسية بقتل «ابن أخويا»، ولم أشر بأى كلمة اتهام ضد المجلس العسكرى، أو اللواء حسن الروينى عضو المجلس العسكرى»، بينما ذكر خالد على المحامى ومدير المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذى كان حاضرا فى قسم الوايلى أن عمه اتهم الروينى بشكل غير مباشر فى البلاغ، وحاولت «الشروق» الحصول على نص البلاغ ولكن العم ذكر أنه لم يحصل على صورة منه.
وأضاف خالد على أن الموضوع تحول إلى النيابة العسكرية لضم محضر الشهيد محمد محسن ومحضر أحداث موقعة العباسية فى شق واقعة القتل، وأما شق التقصير الطبى، «فقد حولته وزارة الصحة إلى النائب العام».
وترى الدكتورة زينب أن سبب التضارب فى الأقوال يرجع إلى ضغوط يمارسها أحد أقرباء الشهيد من الدرجة الثالثة وينتمى إلى الإخوان على الأسرة بعد الاتفاق مع المحافظ، خصوصا أنه مرشح محتمل على مقعد مجلس الشعب، وانفعلت قائلة: «أحذره من أن يستغل دم محمد فى دعايته السياسية»، وتابعت فى غضب: «محمد كان ليبراليا وفقا للملف الشخصى له على الفيس بوك، ومات لأنه يريد أن يسقط حكم العسكر».
فى رقبة الروينى
«لم أكن أرى أن الذهاب فى مسيرة إلى المجلس العسكرى عما حكيم، ولكن كلنا ضد أن تكون عقوبة من يذهب إلى هناك القتل» هذا ما أوضحه عبدالرحمن يوسف الناشط السياسى المنسق العام السابق لحملة البرادعى، وتابع: «أرى أن دم محمد فى رقبة اللواء الروينى، لأنه حرض أهالى العباسية ضد المتظاهرين السلميين»، وأضاف: «موت محمد عار علينا جميعا، وطريق هذه الثورة لم ينته ويجب أن نكمله للنهاية».
عبدالرحمن يعرف محمد من خلال الجمعية الوطنية للتغيير، وحملة دعم البرادعى وكان مشاركا فى محاضرات الصعيد فى 2010، ووصف محمد قائلا: «لقد لفت نظرى من أول يوم، وكنت أرى فى عينيه بريقا من العزيمة والإصرار وحب هذا البلد».
 

No comments:

Post a Comment