Tuesday, April 19, 2016

عاشق التحف و جرائم سرقة الأثار الإسلامية





عاشق التحف يروى لـ«الشروق» جرائم سرقة الآثار الإسلامية بالقاهرة



نشر فى : الجمعة 15 أبريل 2016 - 10:32 ص | آخر تحديث : الجمعة 15 أبريل 2016 - 10:32 ص

الدكتور محمد الباز عضو اللجنة العليا لتحكيم السجاد: شركة آيس كريم استولت على قبة الأشرف خليل بن قلاون
هيكل خشبى ما تبقى من حامل المصحف فى مسجد قايتباى
مقبرة الملك فؤاد وضريح الخديو توفيق تعرضا للسرقة دون معرفة نتيجة التحقيق
أطباق ملكية مهشمة فى مخزن قصر محمد على بالمنيل ومشكاة لم تكن مدرجة فى الآثار
إزالة اسم النبى محمد من مسجد سليمان الخادم بالقلعة بعد ترميمه بمعرفة طائفة البهرة الشيعية
قبة شويكار بقرافة المماليك كانت فى حوزة رجل مسن حتى تم تسجيلها بالآثار هذا العام
الدكتور محمد الباز أستاذ غير متفرغ بكلية طب الأطفال بقصر العينى، محب وهاوٍ وقارئ جيد للآثار الإسلامية، يجيد فن التصوير الفوتوغرافى، ولديه أرشيف كبير من الصور الحديثة والقديمة للعديد من المساجد والأماكن الإسلامية بالقاهرة الكبرى.
الدكتور محمد الباز أستاذ غير متفرغ بكلية الطب جامعة القاهرة وعاشق للآثار الإسلامية، وهو عضو فى الهيئة الدولية العليا للتحكيم فى السجاد، وهى هيئة غير حكومية ومقرها إيران، معنية بتقييم قطع السجاد اليدوى والأثرى.
وقد وثق الباز بكاميرته وقائع تكرار سرقة الآثار الإسلامية فى نطاق القاهرة الكبرى بشكل محترف، علاوة على تدمير بعض الآثار وتشويهها أثناء سرقتها، موضحا أن السرقات تزايدت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وأنها كانت تتم أحيانا أثناء الترميم، وأهدى للشروق صورا عدة تظهر الأثر الإسلامى قبل وبعد سرقته من أماكن مختلفة، «الشروق» تحاورت معه فى منزله، الذى يشبه المتاحف المفتوحة، حيث يحتوى على بعض القطع الأثرية، والسجاد الإيرانى غالى الثمن، ونحو 30 جهاز جيرامافون الذى كان يشغل الاسطوانات الموسيقية القديمة، ومئات من الاسطوانات لحفلات كبار المغنيين فى مصر بجودة صوت عالية، فضلا عن عشرات التحف والانتيكات التى أنفق عليها كل ما يملك من مال.
على أنغام الفنانة أم كلثوم، تحدث الباز عن تحكيمه الأخير لسجادة «منجلية» من العصر الصفوى أى منذ أكثر من 300 عاما، اشتراها أحد الأشخاص المجهولين فى مزاد علنى فى سويسرا بـ33 مليون دولار العام الماضى، متحدثا عن أهمية القطع الأثرية لدى الغرب، فى الوقت الذى تعجز فيه الدولة المصرية عن حماية آثارها، فلا تؤدى تحقيقات وزارتى الآثار والأوقاف عن أى نتيجة.
حامل المصحف بالمساجد دائم السرقة
أهم وأحدث السرقات كانت حامل المصحف فى مسجد السلطان حسن بن محمد بن قلاون بمنطقة القلعة بمصر القديمة، حيث تظهر صور الباز سرقة 4 حشوات معشقة، مكونة من سن الفيل وخشب الأبانوس، يقول الباز: إن هذه الحشوات بالغة الجمال ولا تُقدر بثمن، لافتا إلى أنه كان يشاهد أثناء زياراته المتكررة للمسجد فنانين أجانب يأتون خصيصا ليرسموا حامل المصحف، قائلاً: «من سرق هذه الحشوات شخص محترف يعرف قيمتها، واستطاع أن يخرجها من مكانها بمهارة، رغم أن هذا الجزء من المسجد عليه حراسة ومغلق بشكل دائم، وبعد السرقة لم أتمالك نفسى وانحنيت وقبلت حامل المصحف كأنى أعزيه فى فقد عزيز لديه».
تتشابه هذه السرقة مع أخرى حدثت منذ ما يقرب من عامين، يوضح الباز أن السرقة أعظم هذه المرة، حيث تمت سرقة جميع حشوات حامل المصحف فى مجموعة قايتباى بمنطقة قرافة المماليك بالقاهرة، رغم أن المكان ظل مغلقا للترميم منذ سنوات، وتظهر صور الباز أن ما تبقى منه عبارة عن هيكل فقط، كما تظهر صورة أخرى ترجع إلى 6 شهور تقريبا، إلى سرقة بخارية من البرونز الخالص تمت سرقتها أيضا من مسجد قيتباى بقرافة المماليك، رغم أنها تساوى الملايين، ويحتفظ الباز بصورتها قبل السرقة.
فى نفس المنطقة بقرافة المماليك حيث قبة الحريم فى خانقاة الناصر فرج بن برقوق، سجلت عدسة الباز سرقة النص التأسيسى بالباب مع كسر الخشب المحيط به بشكل «غشيم»، على حد قوله، وحدث هذا منذ فبراير الماضى، ويرجع تاريخ هذا النص التأسيسى إلى أكثر من 600 عام، مكتوب عليه: «أمر بإنشاء هذه التربة المباركة مولانا السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق»، ويندهش أن تحدث السرقة مع كل هذا التكسير دون أن يسمع الحراس ما حدث.
كان الباز شاهدا على واقعة سرقة أخرى فى مقبرة الملك فؤاد بمسجد الرفاعى بمنطقة القلعة بمصر القديمة، قام بها محترف، حيث تمت سرقة تركيبتين مكونتين من خزف وبرونز من المقبرة، رغم أنها فى مكان مغلق بمفتاح كبير يمتلكه حارس الأثر بالمسجد، يقول: «استطعت أن أصور المقبرة بعد السرقة رغم أنها مغلقة الآن، ولا يسمح لأحد بالدخول إليها بأمر من وزارة الأثار لحين انتهاء التحقيقات، ولن تنتهى إلى شىء كالعادة».
قبة أفندينا أو ضريح الخديو توفيق فى منشأة ناصر على طريق الأوتوستراد شرق القاهرة، تم تسجيله كأثر عام 2001، غير أنه تعرض أيضا للنهب، حيث يحتوى الضريح على طقم الأرابيسك، قيل: إنه استخدم أثناء الاحتفال بقناة السويس، وسجاجيد فاخرة وشمعدانات، كان الباز قد سجل بكاميرته جميع التحف، ليكتشف منذ 3 سنوات أن أحد الشمعدانات الفضية وكسوة الكعبة، التى كانت معلقة على الجدران تمت سرقتهما، ولم يعرف الرأى العام نتيجة التحقيق حتى الآن.
أطباق ملكية مكسورة فى قصر محمد على.
وكشف الباز عن الإهمال فى مخازن قصر الأمير محمد على بالمنيل، وكان ذلك منذ عدة أشهر، حينما كان برفقة إحدى طالبات الدكتوراه، بعد أن حصلا على موافقة رسمية من إدارة المخزن، يقول: «الأشياء الثمينة فى المخزن كانت فى حالة جيدة، إلا أننى فوجئت بأطباق ملكية مهشمة قمت بتصويرها بالمخزن وتُقدر قيمتها بآلاف الجنيهات»، فضلاً عن العثور على مشكاة أثرية بنفس المخزن مكتوب عليها اسم الخديو إسماعيل باشا، والمثير أنها لم تكن مسجلة فى دفاتر إدارة القصر، واستطاعت طالبة الدكتوراه صغيرة السن أن تثبت وجودها دون أن يكون للعاملين بوزارة الآثار أى علم بها، ويتساءل: «كم من آثار تمت سرقتها لم تكن مسجلة فى وزارة الآثار؟».
ويلفت النظر إلى أن قبة شويكار هانم بشارع الملك الظاهر برقوق بقرافة المماليك لم تكن مسجلة بالآثار حتى مارس العام الحالى، حيث كانت تمتلكها أسرة من رجل مسن وزوجته وصبية، ولم يكن مسئولو الآثار يستطيعون زيارتها أو تفقد حالتها من الداخل، إلا بعد الحصول على موافقة الرجل المسن.
يحكى الباز عشرات القصص عن الآثار الإسلامية المهملة والمنهوبة قائلاً: «كانت هناك مدرسة أثرية تسمى مدرسة الظاهر بيبرس البندقدارى فى شارع المعز، ملاصقة لمدفن الصالح نجم الدين أيوب، استولى عليها أحد الباعة، وبعد أن نجح المسئولون فى طرد هذا البائع، إلا أن فرحته لم تتم»، حيث اكتشف أن شرطة السياحة احتلت مكان البائع، ليتم إبعاد الباز من المكان بطريقة مهينة من أحد الضباط، لأن فى يده كاميرا.
يضيف الباز: «قبة الأشرف خليل بن قلاون التى تقع على الجهة الشرقية لشارع الخليفة، على شمال المتجه لميدان السيدة نفيسة بالقاهرة، استولت عليها شركة آيس كريم، ومن المعروف أن خليل بن قلاوون من أبرز سلاطين الدولة المملوكية، ومن أشهر إنجازاته فتح عكا والقضاء على آخر معاقل الصليبيين فى الشام، بعد أن استمر وجودهم فيها مائة وستة وتسعين سنة».
وفى شارع سوق السلاح، يقع سبيل رقية دودو الذى أنشىءكصدقة جارية على روح بنت بدوية شاهين بنت الامير رضوان بك عام 1174، يقول: «أمشى الآن وأبكى على حال السبيل»، موضحا أنه كان يتكون من رفرف خشبى وثلاثة شبابيك ضخمة من البرونز الخالص، لكنه فوجئ منذ عام تقريبا بسرقة الثلاثة شبابيك، وقامت وزارة الآثار بسد تلك الشبابيك بالطوب الأحمر، وتم منع دخول أى شخص، وحينما سأل الحارس عن السبب قال له: «زميلهم الذى كان مسئولاً عن حمايته اتبهدل خالص بعد السرقة، وصدر له قرار بخصم شهر من راتبه».
ويتذكر الباز زيارته الأخيرة للمتحف الاسلامى بمنطقة باب الخلق بقلب القاهرة التاريخية، وكان هذا قبل تأثره بالتفجير الذى تعرض له مبنى مديرية أمن القاهرة المقابل له، فى يناير 2014، يقول الباز: «حذرت المسئولين هناك الذين كانوا يشكون من السقف الساقط بالمتحف، أن هذا قد يعرض المتحف لخسارة التحف العديدة فى حالة سقوط السقف، وهذا ما حدث للأسف بعد القنبلة، حيث سقط السقف ما أفقدنا العشرات من القطع الأثرية الثمينة تحته».
يحتفظ الباز بصورة لهدم حدث فى قصر محمد على بشبرا، يقول: «قمت بزيارة القصر بعد افتتاحه بخمسة أيام، حيث ظل تحت الترميم لسنوات عديدة، وتوضح الصورة التى التقطها سقوط السقف على ما به من محتويات، والآن القصر مغلق أمام الزائرين، ولم نسمع عن أى تحقيق حدث مع الشركة التى رممت الأثر».
ويتعجب من بعض التشويه الذى أحدثته طائفة البهرة الشيعة فى مصر، الذين تولوا الانفاق على ترميم مسجد سليمان الخادم بقلعة صلاح الدين الأيوبى، فلديه صورتين قبل وبعد الترميم، الصورة الأولى كان مكتوبا أعلى المسجد «يا الله.. يا على.. يا محمد»، وبعد الترميم تم حذف اسم النبى محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يتحرك أى مسئول فى وزارة الآثار، قائلاً: «ربما كانت الأموال المدفوعة أكبر من أن تجعلهم يعترضون»، غير أنه لا ينكر أن البهرة استطاعوا أن يحولوا مسجد الحاكم بأمر الله فى شارع المعز إلى مكان جميل بعد أن كان مقلب زبالة فى الثمانينيات.