عواطف عبدالرحمن عضو حركة (9 مارس) ل(الشروق): الجامعة ليست (عمر أفندى) وتأجيل إقالة القيادات سيضيع الفصل الدراسى الأول
حوار داليا العقاد -الشروق الجديدنشر في الشروق الجديد يوم 15 - 09 - 2011
«الوضع خطير فى الجامعات» هكذا بدأت الدكتورة عواطف عبدالرحمن أستاذ الصحافة بكلية الإعلام والناشطة السياسية والعضو المؤسس بحركة 9 مارس لاستقلال الجامعة، فى حوارها المطول مع «الشروق»، معلقة على تأجيل إصدار مرسوم عسكرى باعتبار كل القيادات الجامعية شاغرة، ووصفت هذا الموقف بالمربك الذى يضر بالعملية التعليمية ويهدد استقرارها، محذرة من ضياع فصل دراسى كامل فى مظاهرات «قطار التغيير الجامعى الذى لا يرجع إلى الوراء» حسب تعبيرها. وفى محاولتها لإيجاد مخرج آمن لأزمة الجامعات دعت المجلس العسكرى إلى ترتيب لقاء عاجل مع ممثلى الأساتذة لشرح ما اعتبرت أنه «لا يحتمل التأجيل».
● ما تقييمك للجامعات بعد ثورة 25 يناير؟
للأسف، ثورة 25 يناير لم تصل بعد للجامعة، فلم يحدث تغيير هيكلى ولا قانونى ولا أكاديمى، فالجامعات لاتزال تعانى كثيرًا من القصور والمشاكل التى تراكمت على مدار السنوات السابقة، وقد حدث هذا فى ظل انخفاض ميزانية البحث العلمى للجامعات بشكل يثير الخجل، وتخصيص ميزانية ضخمة جدا للمناسبات ذات الطابع الاحتفالى ومكافآت مجزية للقيادات والإداريين، وتحول رؤساء الجامعات إلى موظفين، وكل هذا أدى إلى تراجع العملية التعليمية على كل المستويات وتخلف البحث العلمى، وعزلة الجامعات المصرية عن مثيلتها المتقدمة، وانقطاع معظم الأساتذة عن متابعة أحدث المستجدات التعليمية، خاصة أنه ليس لدى كثير منهم إمكانيات لحضور المؤتمرات الدولية فى دول الشمال أو الجنوب.
● ومن المسئول عن عدم وصول الثورة إلى الجامعة؟
تاريخ الثورات يعلمنا أن الثورة ليست مجرد هوجة، أو سخط، ولكنها تعنى استراتيجية لها مراحل، تبدأ بإزالة رأس النظام وفى مصر تنحى رأس النظام، ولكن النظام القديم لا يزال موجودا تليها مرحلة بناء المجتمع والدولة، ولا تكتمل تلك المرحلة إلا بالنظر فى حياة المواطنين فى أصغر وأفقر قرية بالصعيد، لتشمل تطوير التعليم وتوفير عمل وتقديم خدمة صحية وسكن للمواطنين، علاوة على مشاركة المواطن فى إدارة شئون بلده، وعندها ينمو لديه الشعور بالمسئولية تجاهها.
● أين تقف الجامعة تحديدا بعد الثورة؟
الجامعة حاليا واقفة فى عام 1972، لأن قانونها المنظم لعملها رقم 49 لم يتغير منذ أربعين عاما، فمازلنا نتصرف بظروف وعقلية أربعين سنة ماضية، وهذا معوق للتطوير، ونؤكد على ضرورة تغيير هذا القانون وليس فقط تعديله، والتأكيد على الحقوق الاقتصادية للأستاذ الجامعى، لان راتبه الأساسى وفقا للقانون ضئيل جدا بشكل لا يحقق له الحياة الكريمة، أو التطور علميا، وبذلك يتحول إلى كائن همه الأول جمع الفلوس لكى يكفى بيته، بالانتداب فى الجامعات الخاصة والأجنبية والتدريس فى التعليم المفتوح وشعب اللغات ذات المصروفات، وكلها وسائل أوجدها النظام السياسى القديم للالتفاف على مجانية التعليم وخلق بسببها حالة من الانقسام الطبقى بين الأساتذة والطلبة.
● هل ترين أن بداية التغيير الصحيحة فى الجامعات يجب أن تبدأ بتغيير جميع القيادات القديمة فعلا؟
نعم لأن كل القيادات تم تعيينها بموافقة أمن الدولة وباختيار لجنة السياسات بالحزب الوطنى المنحل والسلطة التنفيذية فى العهد السابق، ومن المعروف أن تعيينهم تم لتحقيق أهدافهم الخاصة، وليس لخدمة الجامعة أو البحث العلمى، لهذا تم تغيير أسلوب الانتخاب الذى كان متبعا فى الجامعة حتى عام 1995، بسبب تدخل السياسة فى الجامعة، وكان كل هم تلك القيادات إرضاء الأمن لأنه هو الذى يرفع التقارير عن أدائهم للسلطة الحاكمة، وكان الضحية هو العلم والتعليم والأجيال الجديدة.
والتاريخ يسرد عشرات القصص التى توضح كيف أفسدت السياسية الجامعة، وقد بدأ ذلك عام 1954 عندما قام الرئيس عبدالناصر بفصل عشرات الأساتذة الإخوان والشيوعيين، المعارضين له فى الرأى من الجامعة فيما عرف تاريخيا بمذبحة الجامعات، وتم بعد ذلك إحكام السيطرة على الجامعة بالتدخل فى شئونها الإدارية أو الأكاديمية بإلغاء المجلس الاستشارى بين الجامعات، وإصدار قانون يضمن خضوع الجامعة للسلطة التنفيذية وإنشاء كل من المجلس الأعلى للجامعات ووزارة التعليم العالى، لذلك لن تحقق الجامعات استقلالها إلا بإلغاء وزارة التعليم العالى وعودة المجلس الأعلى للجامعات إلى وظيفته الاستشارية.
● هل أنت مع إصدار قرار فورى باعتبار كل المواقع القيادية شاغرة، أم يتم إجراء الانتخابات على مراحل؟
لابد من استعادة حق الجامعات الأصيل فى انتخاب كل قيادتها، أما قصر الانتخابات على الأماكن الشاغرة فهذا ليس كافيا، فالجامعات جزء من المجتمع الذى حدث فيه تغييرات سياسية، وفائدة ذلك أن يدرك مثلا العميد أن سلطته تستمد من قاعدة أعضاء هيئة التدريس وليس من فوق، وأن يعود للأستاذ الجامعى حقه فى المشاركة فى صنع القرار بجامعته لتحقيق نهضتها. ومن هنا فكر أساتذة يمثلون نخبة من أساتذة القانون وكبار المحامين بصياغة مرسوم بقانون باعتبار كل الأماكن القيادية بالجامعات شاغرة، وإجراء الانتخابات أول أغسطس، وإقناع مجلس الوزراء بالموافقة عليه فى يوليو بجهد شخصى من الدكتور عصام شرف.
● هل لديك تفسير عن سبب تأخر مرسوم من المجلس العسكرى بإقالة القيادات؟
لا أدرى ما سبب هذا التباطؤ، رغم أن المجلس العسكرى سبق وأن صدق على عدة قرارات بمرسوم قانون، وأعتقد أن هذا موقف مرتبك منه لأن نتائجه ستكون خطيرة على الجامعة، وأساتذة الجامعات يكررون النداء الأخير للقيادات الجامعية التى لم تستقل لترك مناصبها، فالمناصب لا تدوم، ويجب أن يعلم الوزير أن تطبيق نظام الانتخاب الجديد على الذين انتهت مدتهم القانونية فقط أمر مرفوض تماما من جماهير أعضاء هيئة التدريس.
● ما عواقب إجراء الانتخابات مرحليا، تبدأ بالأماكن الشاغرة تليها باقى القيادات؟
سيخلق هذا اضطرابات فى الجامعات، تضر بالعملية التعليمية، ونحذر من هذا الأمر لأن الأساتذة والطلاب لن يصمتوا أمام هذا الوضع الملتبس فشباب الجامعة تغيروا، وما حدث فى الترم الثانى من العام الدراسى الماضى ليس ببعيد وخير مثال على ذلك اعتصام طلاب كلية الإعلام الذى نجح فى تغيير عميد الكلية.
● هل من الممكن أن يكون الوضع طبيعيا لو تمت الانتخابات فى ظل رؤساء جامعات لم يتغيروا؟
هذا أخطر من الناحية العملية، لأنه يخلق أوضاعا مرتبكة داخل مجالس الجامعات ما بين عمداء كليات منتخبين يدينون بالولاء لمن انتخبوهم من القاعدة، وعمداء كليات يدينون بالولاء لمن عينوهم من النظام السابق، ومعظمهم فى سجن طرة الآن، ولا يوجد لدى خلاف شخصى مع القيادات فكلهم أساتذة محترمون، ولكن الخلاف يكمن حول الأسلوب الذى تم به تعيينهم.
● البعض يروج لخطورة الانتخابات بسبب ما وصفوه ب«الشللية» وفساد العلمية التعليمية، فما رأيك؟
الانتخابات لن تؤدى إلى هذا، لأنها ستتم بضوابط شاركت فى وضعها مع أساتذة من مختلف التيارات المهنية والسياسية بالجامعة فلن يكون هناك انتخاب مباشر بدون عرض كل مرشح السيرة الذاتية له، للتأكد من الإنتاج العلمى وإنجازاته فى كليته، بما يتفق مع قانون تنظيم الجامعات.
● ما الحل إذن؟
لن نستجدى المجلس العسكرى، ويجب أن يكون الحل جامعيا من الداخل بالتفاهم مع القيادات وإقناعها بالاستقالة وإلا سيكونون فى حالة عداء مع الأساتذة والطلاب، وأن يستجيبوا لمصلحة جامعتهم، ومن يريد منهم الترشح فالباب أمامه مفتوح. ولو استجابوا سيرفعون على الأعناق، وسيتم تقدير موقفهم بشكل غير عادى من زملائهم وطلابهم، وبهذا نكون حققننا هدفا مهما جدا وهو الاستقلال، لأن إلحاحنا على المجلس العسكرى يؤكد استمرار تبعية الجامعة إلى السلطة التنفيذية.
● ربما تكون قضية القيادات شائكة وتحتاج إلى وقت طويل لدراستها، ولكن ما سبب تأجيل المجلس العسكرى للمرسوم الذى يقضى باستمرار الأساتذة فوق السبعين فى الجامعات رغم أنها قضية يتفق عليها الجميع؟
هذه أكبر إهانة لأنها تخص قطاعا كبيرا من شيوخ الأساتذة، فمن غير المعقول أن يكون مصير شيوخ الأساتذة مثل خيل الحكومة، ولا أرى سببا يدعو إلى تأجيل إصدار المرسوم العسكرى بذلك رغم أن حكومة الثورة استجابت لإلغاء القانون الحالى منذ أربعة أشهر، وأرى أن هذا خير دليل على استمرار تبعية الجامعة للسلطة التنفيذية، فالكل يعلم أن القانون الذى منع شيوخ الأساتذة من ممارسة حقهم فى العطاء بالجامعة جريمة ارتكبها الوزير السابق مفيد شهاب، ومات فيها الدكتور حلمى نمر، وكان من أفضل الأساتذة الذين تولوا قيادة جامعة القاهرة، ولابد للأساتذة أن يناضلوا من أجل استعادة حقوقهم الضائعة وأن نمهد لاستقلال الجامعة.
● من وجهة نظرك لماذا تمت الموافقة سريعا على زيادة دخول الأساتذة بشكل ثابت مع المرتب عبر إضافة حافز الجودة، بقرار من الوزراء بينما بقيت العديد من القضايا بلا حل؟
هناك من يعتقد أن الأساتذة سيغلقون فمهم إذا تم الاستجابة للاحتياجات المالية ولن يطالبوا بوصول الثورة إلى جامعاتهم، ولكن هذا اعتقاد خاطئ لان الجامعات تغيرت، وأصبح بها أجيال تنتمى إلى ثورة 25 يناير، ولا يمكن لقطار التغيير أن يرجع إلى الوراء بالصمت على التضليل والالتفاف والترهل الإدارى والتراجع العلمى. الثورة كانت بمثابة النقطة الفاصلة ولابد من إعادة النظر فى ميزانية الجامعات والمطالبة بإعلانها بشفافية، وتغيير قانون تنظيم الجامعات.
● بعد أكثر من ستة شهور من تولى المجلس العسكرى شئون البلاد هل ترين أنه اهتم اهتماما كافيا بالجامعات؟
لا للأسف المجلس لم يصله الصورة الحقيقية لمطالب الجامعة التى تضم خلاصة عقول الوطن، لأنه لا يدرك خطورة تأجيل مرسوم بتغيير القيادات الجامعية، وحساسية الوضع فى الجامعات وأن عدم إصدار هذا القانون يخدم المصالح الخاصة للقيادات على حساب الصالح العام.
● هناك داخل وزارة التعليم العالى من يرى أفضلية تأجيل أى مرسوم عسكرى فيما يخص الجامعات إلى حين انتخاب مجلس الشعب ومناقشتها بشكل مستفيض؟
الجامعة غير أى مؤسسة أخرى، وتحتاج أن يتم البت فى قضاياها بسرعة لأن هذا سيؤدى إلى ضياع الفصل الأول فى العام الجامعى الجديد، والجامعة ليست أزمة بيع عمر أفندى، وما ينطبق على صناعة المخابز أو البسكويت أو الأحذية لا ينطبق عليها، لأنها ذات طبيعة خاصة، لذلك نصر على استقلاليتها عن السلطة التنفيذية والأمنية والدينية.
No comments:
Post a Comment