Friday, January 31, 2020

عيسى فنان الثورة من قتله؟ ذكريات من وحي الجرافيتي في المقطم

كتبت ــ داليا العقاد
نشر فى : الأحد 4 أغسطس 2013 - 9:09 ص | آخر تحديث : الإثنين 5 أغسطس 2013 - 4:19 م

طلق نارى من الظهر أدى إلى تهتك بالرئة والقلب»، كانت هذه نهاية عيسى المصرى، 17 سنة، فى مذبحة المنصة، رصاصة غادرة انهت حلم عيسى، الذى خلد بفنه شهداء 25 يناير على جدران الجامعة الأمريكية بالتحرير، فى تنظيم معرض يجسد وجوها كثيرة رسمها فأبدع.
عيسى عضو رابطة فنانى الثورة الذى سارع الجميع إلى نسبته لتياره وحزبه، عقب موته، «لم يكن محسوبا على أحد بل هو شهيد الاعلام غير المحايد» بحسب وصف والده الدكتور عصام عبدالفتاح، الذى خرج عن صمته ليتحدث مع أول وسيلة إعلام.
وأضاف عبدالفتاح لـ«الشروق» أن عيسى نزل ليرى بعينيه ما يحدث فى اعتصام ميدان رابعة، ونفى كل ما نشر وما تناقلته مواقع التواصل الاجتماعى حول تفاصيل موت ابنه، يضيف «كفى متاجرة بدم ابنى، فأنا وعائلتى لا ننتمى لأى تيارات سياسية، ولست إخوانيا كما ادعت بعض الجرائد ذلك».
وجه فيروز
«هنا كان عيسى يرسم وجه فيروز، لكن الموت لم يسعفه لكى يكمل رسم التاج فوق رأسها، وكذلك لم يضع توقيعه على اللوحة كما اعتاد فى لواحاته السابقة» قالت والدة عيسى، 37 عاما، والتى كانت تتحدث فيه الأم المكلومة عن آخر يوم رأته فيه.
«الشروق» التقت عائلة عيسى فى شقته بالمقطم، استقبلنا الأب بابتسامة صابرة وقد احتسب ابنه عند الله شهيدا، والأم قدمت واجب الضيافة ودموعها المنهمرة تأبى ألا تجف بعد فراق عيسى.
تضيف الأم أنه بعد أن تسحر عيسى معها مكث يرسم لوحة فيروز، وبعدها نزل، دون أن تدرى، فى السادسة صباح المذبحة، الأم وجدت اللوحة غير المكتملة والكمبيوتر المحمول الخاص به يضىء غرفته، والتليفزيون ظل مفتوحا على قناة الجزيرة حيث تعرض الأخبار عن الأحداث، تتابع «كان والده وجدته فى ميدان رابعة. هنا تدخلت فى الحديث الجدة ماجدة: «وصلنا الساعة الثامنة فوجدنا أصدقاء عيسى أمام البيت يقولون إن عيسى مصاب إصابة خطيرة، توجهنا لمستشفى الدمرداش، بينما تحدث استاذه أحمد لطفى عن لحظات خروج الجثمان من المستشفى، بعد أن ظل 18 ساعة بالمشرحة، حتى لحظات دفنه فى بنها، متذكرا عبارات والده والدموع فى عينيه «عيسى مات..عيسى مات».
عدد المعزين فى الجنازة يشهد بحب الناس لعيسى، تحكى عمته عواطف، مشيرة إلى أن المئات من أصدقائه فى المدرسة والألتراس وجميع التيارت حرصوا على المجىء فى العزاء ويوم الدفن «كأنه كان يوم فرحه»، يتدخل الأب فى الحديث «كان عيسى شفافا نقيا، يقبل الانسان بكل اختلافه ويعيش معه ويتقبل أفكاره لدرجة أن كل واحد اعتقد أن عيسى تبعه، وهم صادقون لأنه عاش أفكارهم بصدق وحب، ويؤمن بتنوع وتعدد الافكار لبناء مصر».
لا عودة لمرسى أو العسكر
يضيف الأب الذى يعمل، رئيس مجلس إدارة إحدى شركات الأدوية الخاصة: «عمرى ما قلت له اذهب لرابعة أو التحرير، كان ينزل بنفسه ليستقى الحقيقة رغم صغر سنه، ولا يقبل أن يملى عليه أحد شيئا»، يضيف «عيسى كان يرى أن مصر تستحق قائد أقوى من الدكتور محمد مرسى، ولكنه كان رافضا أن تساق مرة أخرى للحكم العسكرى.
وحول عضويته فى حزب الجبهة الديمقراطى، قال والده «كان عيسى فرحان إن معاه كارنيه فى الحزب، ولم اعترض لأن الأحزاب فى البلد تتكامل لنهضة البلد، لكنى أؤكد أنه لم يكن مسيسا ولم يستطع أحد توجهيه لصالح تيار أو حزب، وظل يعبر عن كل الاتجاهات».
فيما تقول والدته «عيسى أكبر أولادى وهو مختلف منذ صغره، وحياته فى البيت بسيطة جدا، كان زاهدا يفرح بالقليل، ويقضى يومه وسط وجوه يرسمها، يسمع توجيهاتنا ويقول لى طيب نتناقش، يأخذ رأيى فى لوحاته التى كان يحرص على وضع لمساته المختلفة علىها»، تضيف «نزلت مع أولادى إلى ميدان التحرير أثناء ثورة يناير، باعتبار أن هذا من مسئوليتى كأم لكى يروا ما تمر به مصر من أحداث، وعيسى كان نتاج هذه التربية».
قلادة بها رصاصة
يقوم الأب، بعد أن أحضر بعضا من لوحات عيسى من غرفته «عيسى رسم مصطفى محمود وجيفارا وحسن البنا وحمدين صباحى وعبدالمنعم أبوالفتوح ومحمد مرسى وأم كلثوم، كان بيرسم بقلبه»، موضحا أن خاله هو من علمه الرسم، ومؤخرا كان يتعلم الرسم بالزيت، فرسم صورة لحصان يظهر الحزن فى عينيه، كان يحلم أن يعرض لوحاته على الجمهور قبل بدء دروس الثانوية العامة، علاوة على فنه فقد كان عيسى متفوقا دراسيا حيث كان من الأوائل فى الشهادة الاعدادية، أيضا كان بطلا فى السباحة، والتنس، ومشجعا متحمسا للنادى الأهلى، وكان يحضر الأنشطة ويقرأ الأدب الإنجليزى الذى جعل شخصيته منطلقة».
تضيف إيمان أخته «عيسى مات وكان يعلق حول عنقه قلادة بها رصاصة لزميلة له أصيبت فى شارع محمد محمود فى عينيها اليمنى ورسم لها لوحة، وأهداها لها»، ويعرض الأب رؤية حكاها عيسى لهم «انه فى الجنة مع النبى محمد صلى الله عليه وسلم الذى قال له أنت حتفطر عندنا».
ماجدة الجدة واحلام الخالة وعفاف عمة عيسى ينفون وجود خلاف بين عيسى ووالده «هذا ليس صحيحا لأن عيسى يحفظ القرآن، ويصلى بانتظام فى مسجد بلال، وكان يسمع أم كلثوم وفيروز، وتربيته شجعته أن يتحرر من أى قيود»، وتساءلت عفاف «إلى متى سنظل نقتل بعضنا، الأرض مشبعتش من شرب دم أولادنا، كفاية دم، عايزين نبنى بلدنا».
محمد العم يقول «عيسى كان مثل الريشة، كان خفيفا على قلوبنا، لم يكن يستطيع أحد أن يفرض عليه رسم أى لوحة»، وتذكر عيسى حينما رفض أن يبيع لوحاته، ثم قال له: «هى لك بعد أن أموت لأن قيمتها ستكون غالية»، كان عيسى محبا للحياة يكره العنف، وكان يرغب فى دخول كلية الهندسة.
عيسى فى ميدان رابعة
صديق طفولته عبدالرحمن أيمن، رفض التواجد فى منزل عيسى بالمقطم، لكنه قال لـ«الشروق» عبر التليفون «تعاهدت مع نفسى ألا أغادر اعتصام ميدان رابعة»، مشيرا إلى أنه انضم للاعتصام منذ أسبوعين تقريبا، رغم أنه ضد الرئيس المعزول محمد مرسى، قائلا «كان يقول لى إنه ضد عودة العسكر».
على محمد، صديق عيسى فى معسكر جمعية بداية، لمدة تزيد على الست سنوات قال «عيسى لم يرض بالظلم أو التهميش، وسقط برصاص الغدر والخيانة»، ونفى ما تردد عن أن عيسى ذهب إلى رابعة فى يوم الحادث كى يعيد أباه إلى المنزل، وتابع «كان يذهب إلى رابعة من قبلها لأنه ضد حكم العسكر».
أحمد لطفى، مسئول لجنة الأطفال والمراهقين بفريق بداية للتنمية البشرية، يقول «عيسى شاب مؤدب جدا تربى تربية إسلامية وسطية، ودعانى للذهاب إلى رابعة واستغربت لأنه غير إخوانى».
تم نشره في الشروق على هذا اللينك

No comments:

Post a Comment