ظل قصر الأمير محمد على نجل الخديوي توفيق بجزيرة المنيل بالقاهرة خارج دائرة الضوء لمدة عشر سنوات، حتى افتتحه رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب في مارس 2015، ويعتبر القصر -الذي أوصى صاحبه بتحويله لمتحف مفتوح -تحفة معمارية في التاريخ الإسلامي.
وتولى الأمير محمد على عرش مصر كوصي لمدة تقارب من 15 شهرا بعد وفاة عمه الملك فؤاد الأول، وجلوس ابن عمه الملك فاروق على عرش مصر، من الفترة 28 ابريل 1936 حتى 29 يوليو 1937، ثم أصبح وليا للعهد إلى أن أنجب فاروق الأمير أحمد فؤاد الثاني.
الشروق نكشف في هذا التحقيق التحديات التي يواجهها القصر بسبب ضعف التمويل، فضلا عن بعض التقصير في حق جزء هام من تاريخ مصر، ونروى قصة القصر من على كرسي عرش مصر بسراي العرش، التي تمكنت كاتبة السطور من الجلوس عليه رغم الحواجز الأمنية.
صدت الشروق في جولة لها بالقصر قيام أحد أفراد الأمن المنوط بهم حراسة قاعة العرش، بتقديم معلومات تاريخية خاطئة عن حقبة الأمير محمد على وشعار الشمس الذهبية التي تميز معظم السرايا والقاعات ومسجد القصر، وتم ذلك في غياب مفتشي الأثار ، قال فرد الأمن أن "الشمس شعار أسرة محمد على"، رغم أن شعاره موجود في نفس القاعة وهو عبارة عن اسمه وفوقه تاج، وبمزيد من البحث عن الشعاروبسؤال المختصين وجدنا أنها كانت شعارا للدولة العثمانية، والتى كانت مصر تابعه لها من الناحية الشكلية في ذلك الوقت.
استطاعت كاتبة هذه السطور بموافقة فرد الأمن -الذي كان يريد إكرامية-أن تتخطى الحواجز، تحصل على عدة صور على كرسي عرش مصر الممنوع الاقتراب منه، وأن تقف ملاصقة لبعض التحف غالية الثمن مثل القاعدة الرخامية التي يرتكز عليها الكريستال البوهيمي بقاعة العرش، التي بناها محمد على أملا في تولي حكم مصر.
ذكرت إحدى الزائرات هبة مدحت أنها دفعت 20 جنيه لأحد أفراد الأمن على البوابة عقب جولة لها داخل القصر، قائلة " طلب مننا أحد المرشدين السياحيين من خارج القصر أن ندفع إكرامية لأحد رجال الأمن نظير اشرافه في دخولنا للقصر".
وأثناء الجولة دوت صفارات الإنذار عدة مرات في القاعة العليا لقاعة العرش، وبسؤال الفرد الأمن المسئول عن التأمين، أكد وجود مشكلة فنية تتسبب في اطلاق جرس الإنذار عدة مرات في اليوم، وحول نظام التأمين داخل القصر قال فرد الأمن أنه يعتمد على رصد أي حركة بعد غلق القصر الساعة الرابعة مساء، حيث يتم اطلاق إنذار قوى جدا يختلف عن جرس إنذار القاعة العليا ، ويتردد في كل أنحاء القصر، فضلا عن وجود غرفة مركزية لكاميرات المراقبة بما يمنع السرقات.
أما عن وقت العرض قال فرد الأمن-الذي يعمل في القصر منذ 7 سنوات- أنه يعتمد على كاميرات مراقبة موزعة في كافة الأماكن، فضلا عن مهارة وملاحظة رجال الأمن، ولكن لا يوجد مجسات بجانب الفاترينات، وكان عدد أفراد الأمن الذين يحرسون قاعة العرش وملحقاتها أثنين فقط .
النافورة الأندلسية تتعرض للتشويه ولاحظت الشروق تشويه بعض التقنيات في القصر التي تمت دون الرجوع إلى الخبراء، وتمثل في وضع حاجز زجاجي أبيض حول نافورة أثرية على الطراز الأندلسي تتوسط سراي الإقامة، وتم ذلك في عهد المدير السابق عزت محمود وفقا لإحدى مفتشات الأثار ، مشيرة إلى أن هذا الحاجز لا يتناسب مع قيمة المكان التاريخي ، وحول أسباب وضع ذلك الحاجز قالت أن هذا تم بعد سقوط إحدى الزائرات أسفل النافورة أثناء التصوير.
وحاولت الشروق الانعطاف إلى حديقة القصر ذات الأشجار والنباتات النادرة، إلا أن أحد أفراد الأمن رفض دخولنا قائلا " إدارة القصر تمنع زيارة الجمهور للحديقة، بسبب عدم وجود تأمين كافي به"، وحينما سألنا عن توافر أي من المرشدين السياحيين بالمتحف ، كان الرد " عدد أمناء المتحف قليلين جدا ورغم أن الإرشاد السياحي ضمن مسئولياتهم الوظيفية، إلا أن هذا يتم غالبا مع الوفود الرسمية فقط، وبتنسيق مسبق، حيث أن عددهم لا يزيد عن 15 أمين ".
مدير متحف قصر المنيل يردقال المدير العام لمتحف قصر المنيل مصطفى عبد الحليم في حديثه مع الشروق أنه سيحول أفراد الأمن للتحقيق الذين سمحوا للزائرين بتخطي الحواجز، مشيرا إلى أن هذا ممنوع خاصة في قاعة العرش، قائلا "قمت بنقل 10 أفراد أمن من المتحف بسبب أمور مشابهة، وجاري التحقيق مع آخرين لأنهم لا يؤدون واجباتهم على النحو المطلوب بعد واقعة الجلوس على كرسي العرش ".
وحول نظام التأمين بالقصر، أوضح عبد الحليم -الذي رفض تصويره بسبب ما وصفه بتعليمات وزارية- أنه سبق وأرسل عدة مذكرات إلى رئيس قطاع المتاحف من أجل التعاقد مع شركة خارجية لصيانة الالكترونيات داخل المتحف، وذلك لضمان الصيانة الدورية لكاميرات المراقبة وأجهزة الإنذار، ولم يصله رد حتى الآن، قائلا " المعروف أن التشغيل الفني يخص قطاع المشروعات في الأثار، ولدي حاليا أثنين من موظفين الأمن لتشغيل الشبكة الإلكترونية".
واشار عبد الحليم إلى ضعف الموارد بالقصر رغم ارتفاع تذكرة الدخول إلى 20 جنيه بتعليمات من وزارة الأثار بعد أن كانت خمس جنيهات، مشيرا إلى أنهم لم يفتتحوا بعد المتحف الخاص ومتحف الصيد نظرا لعدم وجود تمويل لشراء فاترينات العرض، موضحا أنه حينما تولى مسئولية إدارة القصر لم يجد الفاترينات القديمة التي خصصت لعرض التحف قبل إغلاقه أمام الجمهور في 2005، مشيرا إلى أنه لا يعلم أين ذهبت ومن المسئول عن ضياعها.
ونفى عبد الحليم وجود أي تلفيات بالقصر، مشيرا إلى أن جميع أمناء الأثار رغم قلة عددهم يعملون على الحفاظ على الأثار، قائلا " القصر يحتفظ بكافة التحف في مخزن عالي الجودة، و لم يسبق أن تمت السرقة منه حتى أثناء الاضطرابات التي تعرضت لها البلاد على مدار السنوات السابقة"..
ولم ينكر المدير العام قلة عدد أمناء المتحف، وعدم وجود ارشاد سياحي للزائرين رغم ارتفاع تذكرة الدخول، ووصفه من التحديات التي يتعرضون لها موضحا "حقنا على الجمهور أن نقدم له هذه الخدمة نظير التذكرة التي يدفعها، ولكن مسألة تعيين أمناء جدد ليس من اختصاصي".
الراقصة دينا تطيح بالمدير السابق للقصر
أحد المصادر المطلعة بالقصر قال أن المدير السابق عزت محمد محمود تم إقالته بعد تصوير الفيديو كليب للمطرب الكويتي عبد الله الرويشد الذي استعان بالراقصة دينا كموديل خلال شهر مايو الماضي، مضيفا أن محضر الشرطة أثبت وقتها أن فرقة الرويشد تسببت في أضرار بأثر تاريخي في حديقة القصر، وذلك في حضور المدير السابق، وتمثل الضرر في بناء قاعدة مسرح بالأخشاب على نافورة تاريخية بالحديقة وتحريكها من مكانها بالقوة، وتلك القاعدة هي من وقفت عليها الراقصة دينا أثناء تصوير هذا الكليب.
وأضاف مصدر آخر رفض ذكر اسمه أن المدير السابق سبق وأن أدخل وفد من الأجانب في قاعة العرش التاريخية من الباب الخلفي في غير أوقات العمل الرسمية، مشيرا إلى أن هذا مخالف لضوابط العمل داخل القصر، وألمح المصدر أن وزارة الأثار لم تنته بعد من التحقيقات في الواقعتين السابقتين مع المدير السابق .
قرر قطاع المتاحف بوزارة الأثار تعيين المدير العام الحالي مصطفى عبد الحليم في شهر مايو 2015 ، وكان يشغل فيما سبق مدير قلعة صلاح الدين، وذكر المصدر المطلع أن المدير الحالي أصبح ينفرد بما وصفه بـ"بالبزنس" داخل القصر، مثل الموافقة على إقامة الحفلات والمناسبات والتصوير التليفزيوني والتسجيلي التي تكون بمقابل مادي كبير سواء في الحديقة أو قاعات القصر التاريخية، قائلا" المشكلة أن هذا يتم في غياب الأمناء ومفتشي الأثار المسئولين عن القطع الأثرية، بما قد يضر بالقطع الأثرية".
وأضاف المصدر أن هناك مذكرة تم إرسالها الأسبوع الماضي إلى رئيسة قطاع المتاحف إلهام صلاح الدين، من أحد الأمناء يشتكى من دخول مصورين لقاعة العرش في غير وجود أمناء الأثار، مشيرا إلى أنهم استخدموا الإضاءات القوية، فضلا عن قيام البعض منهم بتجاوز الحواجز والجلوس على الكراسي الثمينة الممنوع الجلوس عليها، مما يعرض التقنيات داخل القاعة للتلف، مضيفا " كما أنه يستخدم سلطاته في فتح أو غلق القاعة الذهبية بدون الاستعانة بأمناء الأثار، حيث أنه الوحيد الذي يملك مفتاحها".
واشتكت إحدى الأمناء المسئولة عن فتح وغلق بعض قاعات المتحف من تلف قطعة أرابيسك أثرية في نموذج مسجد قايتباي في قاعة الاستقبال، عقب جلسة تصوير تليفزيونية مدفوعة الأجر، مشيرة إلى أن هذا تم أثناء أجازتها، كما سبق وأن تم فقدان مقبض باب، ولم يتم تحويل المذكرة للتحقيق حتى الآن.
الكسباني:سوزان مبارك أردات تحويل القصر إلى استراحة
الدكتور مختار الكسباني مدرس بقسم الأثار جامعة القاهرة، ورئيس اللجنة الأثرية المعمارية في مشروع ترميم قصر محمد على أن الترميم بدأ بعد سقوط جزء من سقف القاعة الذهبية، وتم بواسطة شركة المقاولات حسن علام بالتعاون مع القاهرة التاريخية، واستمر الترميم لمدة 10 سنوات بأيدي مصرية.
كان مخططا ضمن افتتاح متحف الصيد والمتحف الخاص عقب تصميم فاترينة بواسطة فنان إيطالي تمكن الزائر من أن يمشى داخلها بحسب الكسباني، مستدركا "ولكن التمويل توقف بسبب ثورة 25 يناير"، مضيفا أن تمويل وزارة الأثار يأتي من إيرادات السياحة التي تأثرت بالسلب بسبب الظروف التى مرت بها البلاد على مدار السنوات السابقة.
كما كان مخططا انشاء إدارة للترويج المتحفي، وتعيين أمناء جدد حاصلين على دورات تدريبية، وتأهيل أفراد الأمن للحفاظ على الأثر، وقال الكسباني معلقا على جلوس الشروق على كرسي العرش " هذا ممنوع، لكن ندرس أن نستنسخ كرسي مشابه له يكون بمقابل مادي لهواه التصوير".
أشار الكسباني إلى أن القصر كان مطمع لسوزان ثابت حرم الرئيس المخلوع حسنى مبارك، قائلا "رغبت في تحويله لاستراحة لنجلها جمال للإقامة فيه، رغم أن صاحبه أوصى بتحويله لمتحف مفتوح"، وتابع " وقف الشرفاء ضد مسعاها، وهددنا بإبلاغ اليونسكو، واضطرت للتراجع عن أحلامها الخاصة في القصر"، كما ألمح أن حديقة القصر وما تحتويه من شتلات للنباتات والزهور النادرة كانت تباع خارج القصر دون علم إدارة المتحف، قائلا "وصل سعر الشتلة الواحدة إلى 5 آلاف جنيه".
الأثار: تعيين مديرا جديدا لقصر محمد على لتحسين الأداء
الاثنين 04 يناير 2016 12:54
كتبت-داليا العقاد:
قررت رئيس قطاع المتاحف بوزارة الأثار إلهام صلاح الدين أمس الأثنين تعيين ولاء بدوي مدير جديد لمتحف قصر محمد علي بالمنيل، ونقل المدير العام مصطفى عبد الحليم إلى مكان آخر، مضيفة في تصريحات للشروق "رأينا أن مصلحة القصر تتطلب حدوث تغيير فوري في الإدارة لتحسين الأداء".
وتعليقا على تغيير اثنين من مديري عام القصر منذ افتتاحه في مارس 2015، ذكرت صلاح الدين أنها حولت المدير السابق عزت محمد للنيابة العامة بسبب ارتكابه أخطاء جسمية في إدارة القصر، مشيرة إلى أنها تسعى للتخلص ممن وصفته بـ"معدومي الضمير" داخل قطاع المتاحف.
وأشارت صلاح الدين إلى أن وزارة الأثار تواجه صعوبات في توفير الموارد المالية المطلوبة، فضلا عن عدم قدرتهم على تعيين أمناء المتاحف المسئولين عن الإرشاد السياحي، أو أفراد أمن جدد لحراسة المنشآت، موضحة " كل ميزانية الأثار تأتي من السياحة والتي تأثرت بالسلب نتيجة الظروف التي تمر بها البلاد " وتابعت " لذلك نسعى إلى زيادة إيرادات المتاحف في الفترة الحالية".
ووعدت صلاح الدين بالانتهاء من ترميم فاترينات المتحف الخاص ومتحف الصيد لافتتاحه أمام الزائرين، وتوفير شركة لصيانة الإلكترونيات في القصر، قائلة " من أولوياتنا الحفاظ على الأثر وتأمينه جيدا".
No comments:
Post a Comment